الديمقـراطية مطلب إنساني

الديمقـراطية مطلب إنساني

--------------------------------------------------------------------------------

حققت الديمقراطية في العقد الأخير انتشارا كاسحا في أمم الدنيا بوصفها النظام السياسي الأمثل لإدارة شئون الحكم وصيانة حقوق الناس وتحقيق غايات الشعوب.

وتعني الديمقراطية – في أبسط معانيها – أن يشارك الشعب في اختيار من يحكمه من خلال انتخابات حرة ونزيهة، بما يضمن تداول السلطة بين أكثر من حزب وأكثر من شخص. وبذلك تعتبر الديمقراطية آلية لتنظيم وضبط التنافس السياسي الذي يقود إلى التغيير بشكل سلمي.

ولا تتوقف الديمقراطية عند إجراء الانتخابات، بل تنطوي كذلك – بوصفها نظاما سياسيا متكاملا- على جملة من المبادئ والقيم المستمدة من الفلسفة الليبرالية أهمها: الفصل بين السلطات وإعلاء حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. فالديمقراطية وحقوق الإنسان مفهومان مكملان لبعضهما البعض. إذ لا يمكن أن يشارك بفاعلية في العملية الديمقراطية. وغنى عن البيان أن حقوق الإنسان لا يمكن أن تحترم وتصان إلا في ظل حكم ديمقراطي يضع ضوابط على سلطان الدولة ويحاسب أجهزتها المختلفة إذا تجاوزت صلاحياتها التي يقررها القانون والدستور.

وقد تبدو الديمقراطية للوهلة الأولي مفهوما غربيا بحكم نشأتها في أوروبا في العصر الحديث. إلا أن هذا لا يجسد الحقيقة في كل جوانبها، فالكفاح من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس لصيقا بحضارة بعينها، وإنما يعد أحد المنجزات الحضارية التي ساهم فيها البشر جميعا على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وانتماءاتهم الحضارية والتقنية. إنه كفاح خاضه الإنسان في أماكن وأزمنة مختلفة دفاعا عن حقوقه السياسية وكرامته الإنسانية في مواجهة الطغاة والحكام المستبدين.

وقد شاءت ظروف تاريخية أن تجنى أمم الغرب في أوروبا وأمريكا ثمرة هذا النضال الإنساني قبل غيرها, وأن يتجسد ذلك في مشكلة حكومات تتبنى الديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان.ولكن لم يمض وقت طويل حتى بدأت الديمقراطية تتحقق في مناطق أخرى وتحرز انتصارات خارج النطاق الغربي، وهل ننسى أن الهند تعد أكبر الديمقراطيات – من حيث عدد السكان – على ظهر البسيطة ؟ وهل يمكن إغفال هذا العدد المتزايد من الدول التي انضمت تباعا إلى قافلة الديمقراطية عبر موجات متتابعة كان آخرها الموجة التي اقترنت بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق ومعسكرة الاشتراكي ؟ لقد صار عدد الدول الديمقراطية الآن – ولأول مرة في التاريخ – يفوق تلك التي لم تتمتع شعوبها بعد بالحرية .

ولاشك أن مسيرة التحول الديمقراطي في العالم العربي تسير بمعدل أبطأ كثيرا مما يأمله كل من يريدون الخير والتقدم لشعوبه. ولكن هذا لا يعنى بأي حال أن أبناء العالم العربي لا يريدون الديمقراطية أو لا يحفلون بها.

لقد اعترضت مسيرة التحول الديمقراطي في العالم العربي منذ عهد اليقظة العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين صعوبات هائلة، بعضها خارج عن إرادة أبناء هذه الأمة، مثل الاستعمار الأجنبي الذي لعب دورا سلبيا في تعطيل المسيرة الديمقراطية.

ولا يعنى ذلك إغفال أثر العقبات الداخلية التي وقفت في طريق الديمقراطية في أرجاء العالم العربي، وهي عقبات يعود الى قصر نظر النخب السياسية، في حين يعود البعض الآخر إلى تحديات خارجية وجدت الدول العربية نفسها مجبرة على مواجهتها مما قاد في آخر الأمر إلى تأجيل قضية الديمقراطية ، وهذا خطأ تاريخي إذ ثبت بالتجربة أن الديمقراطية – بما توفره من مناعة داخلية – تعد الوسيلة الأنجح لمواجهة التحديات الخارجية .

ويخطئ من يتصور أن الديمقراطية ليس لها أنصار في العالم العربي . فالمسألة ليست أكثر من مسألة وقت تحتاج إليه عملية التطور الديمقراطي في بلادنا لتختمر وتفرز كل بلد تجربتها التي تلائم واقعها السياسي والاقتصادي والثقافي. وهناك خطوات تتخذها بعض الحكومات لتوسعة الهامش الديمقراطي شيئا فشيئا، وهي خطوات تستحق الإشادة والتقدير. فالتحول التدريجي هو الذي يضمن بناء ديمقراطية مستقرة، إذ لا تعنى الدعوة إلى الإسراع في التطور الديمقراطي القفز على الواقع. فهذا التطور يرتبط بتوفر حد أدنى من ثقافة التسامح والحوار واحترام الرأى الآخر. ولذلك فإن منهج الإصلاح التدريجي هو الكفيل بتهيئى الطريق أمام عملية تحول ديمقراطي آمنة وطبيعية تحفظ للمجتمعات سلامتها وتماسكها ولا تقود إلى فوضى مدمرة.

وإذا اتفقنا على أن الديمقراطية عملية شاملة لا تقف عند حد إجراء الانتخابات وتغيير الحكومات، فلابد أن نقرر أن التحول الديمقراطي يحتاج إلى تحول أوسع يشمل الثقافة والقيم. فالديمقراطية تربية وثقافة وممارسة قبل أن تكون نظاما سياسيا له قواعد إجرائية محددة.

وليس صحيحا أن ثمة ثقافات تعادى الديمقراطية على طول الخط وليس صحيحا ما يشاع من أن الإسلام لا ينسجم ومبادئ الديمقراطية ولا يعبأ بحقوق الإنسان. وكلنا نعرف مركزية مبدأ الشورى في الحضارة الإسلامية، وهناك إشارات واسعة في التراث الإسلامي إلى ضرورة مراقبة الحكام بل وتقويمهم إذا لزم الأمر. والمثقفون العرب يقع على عاتقهم اليوم تسليط الضوء على هذه القيم، واستلهامها في صياغة تجربة ديمقراطية معاصرة تخرج بين التراث ومافيه من إيجابيات – وهي كثيرة – وبين ما وصلت إليه التجارب الحديثة من خبرات وممارسات تجسدت في شكل نظم سياسية ومبادئ قانونية.

شكراً اسدع الموضوع

تحياتي